09 - 05 - 2025

الشعب اليمنى المنكوب ومفارقة القومية العربية  

الشعب اليمنى المنكوب ومفارقة القومية العربية  

أعتقد أنّ الأحرار (فى كل دول العالم) تـُـدمى قلوبهم بالمرارة والحسرة على المذابح المتوالية التى تعرّض لها الشعب اليمنى..منذ (كارثة) الربيع العربى بعد يناير 2011 وحتى لحظتنا الراهنة..والمُـفارقة المُـفجعة أنّ قتل اليمنيين وتدميربنيتهم الأساسية..والرجوع باليمن إلى عصور ما قبل التاريخ، تـمّ بأيدى (عربية/ إسلامية/ سنية) بخلاف المُـسلمين الشيعة أتباع وذيول إيران.

وأعتقد أنّ ماحدث لليمنيين وللسوريين وللعراقيين إلخ، رسالة دامغة ولاتحتمل أى تأويل، مُـوجــّـهة لشعوب المنطقة، بضرورة التخلص من السموم التى دخلتْ العقول من خلال مُـخـدّر تغلف بسوليفان اسمه (القومية العربية) وتوأمتها (الوحدة العربية) وهذا المُـخـدّر من أخطر أنواع السموم..وأنتجته بريطانيا التى أصرّت على إنشاء (جامعة الدول العربية) ودفع المال لعزيز المصرى لدعم (فكرة القومية العربية) كما جاء فى كتاب محمد حسنين هيكل (المفوضات السرية بين العرب وإسرائيل- باب الملاحق) وهذا المُـخـدّر مُـكوّن من ((نفى الخصوصية الثقافية (القومية) لكل شعب و(تذويب) الشعوب فى (قومية بديلة مُـصطنعة) وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، تولتْ الإدارة الأمريكية توزيع هذا المُـخـدّر لطمس الهوية الثقافية للشعب اليمنى.. وللشعب السورى.. وللشعب العراقى.. وللشعب التونسى..إلخ. ليصيرالجميع (بلا ملامح خاصة) بالرغم من اختلاف الثقافة القومية لكل شعب.  

اخترتُ لمقالى عنوان (الشعب اليمنى المنكوب) لأنّ هذا الشعب صاحب الحضارة العريقة.. كما يتعرّض حاليـًـا للإبادة وصراع الدول وأطماعها، سبق أنّ تعرّض لنفس المأساة فى العصورالقديمة.

ففى التاريخ القديم تعرّض لغزو الحبشة..وكانت (الحجة أوالذريعة) حجة (دينية) بينما كانت الأسباب اقتصادية.. وفى تلك الغزوة أدّى حكام اليمن (الجزية) لدولة الحبشة.. وقبل الغزو فإنّ الأحباش ((نزلوا بأرض حمير قبل قيام (ذى نواس) بتعذيب نصارى حمير بسنين.. وأنهم انتصروا على (ذى نواس) الذى لجأ إلى الخداع والغش (جواد على- تاريخ العرب قبل الإسلام- ص189) بعد ذلك تنتقل فصول التاريخ اليمنى إلى مشهد وصول (أبرهة) القائد الحبشى ليكون ملكــًا على صنعاء بعد تغلب الحبشة على حمير، وعلى أنْ تدفع اليمن (جزية) سنوية للحبشة. وحكم أبرهة بلاد اليمن والحجاز(قبل الإسلام) فى الفترة من 531 م أو(فى رواية أخرى) من 547 م حتى 555 م أو 556. وبنى كنيسة فى مأرب.

وذكر جواد على أيضًا أنّ (سيف بن ذى يزن) استعان بالفرس (كما يحدث اليوم الاستعانة بالأجانب) لإنقاذ بلاده من الأحباش.. وأنّ العالم فى ذلك الوقت كان جبهتيْن: جبهة غربية وجبهة شرقية (الروم والفرس) والطبالون والمزمرون من الممالك الصغيرة والمشيخات يُـطبلون ويزمرون.. ويُـثابون أو يـُـعاقبون ارضاءً للجبهة التى هم فيها.. وزلفى إليها وتقربًا.. وسخـّر الروم كل قواهم السياسية للهيمنة على جزيرة العرب وإبعادها عن الفرس وعن الميّـالين إليهم على الاقل.. وعمل الفرس من جانبهم على تحطيم كل جبهة تميل إلى الروم وتؤيد وجهة نظرهم، ومنع سفنهم من الدخول إلى البحر الهندى.. حاول الروم استغلال الدين لحماية مصالحهم السياسية ولتوسع نفوذهم السياسى والاقتصادى فى الشرق (من 196- 205) 

واعترف جواد على بأنّ الروايات التى قرأها عن (سيف بن ذى يزن) الذى حرّراليمن من الأحباش، (لاتزال غامضة غيرمفهومة) وذكرأنّ (سيف بن ذى يزن) صمّم على طرد الأحباش من اليمن، فذهب إلى قيصر الروم فى القسطنطينية يلتمس منه العون لإخراج الأحباش من بلاده.. ووافق على أنْ يُرسل قيصر الروم من يختاره (من الروم) فيكون له (مُـلك اليمن) ويبدو أنّ القيصر لم يستجب للطلب والدليل على ذلك أنّ سيف بن ذى يزن اتصل بملك فارس الذى أمده ب 800 محارب و8 سفن.. فلما علم (مسروق بن أبرهة) بالخبر جمع جنوده، ولكن الفرس أصابوه بسهم وانهزم جيش الحبشة..ودخل القائد الفارسى (وهرز) مدينة صنعاء وصار هو(حاكم اليمن)

وإذا كان اليمن فى ذلك العصرلم يسمع شعبه (والأدق) لم يترنــّم شعبه بأغانى (القومية العربية) وتوأمتها (الوحدة العربية) ولم يسمع ما كتبه شاعرماركسى/ عروبى ((الأرض بتتكلم عربى)) فإنه بعد مضى أكثر منذ500سنة ما زالت فصول التراجيديا متواصلة.. فى الزمن القديم احتلال حبشى والصراع بين الروم والفرس للسيطرة على اليمن.. وفى الألفية الثالثة الصراع بين السعودية وإيران (فارس قديمًا) للسيطرة على اليمن.. وفى الزمن القديم يلجأ سيف بن ذى يزن للرومان لمساعدته ضد الأحباش، فلما رفض القيصر لجأ إلى الفرس، بالضبط كما يحدث اليوم (مع تغيير فى أسماء الدول) فيلجأ الحوثيون إلى إيران التى تـُدعّمهم بالمال والسلاح.. ويلجأ قسم آخرمن اليمنيين إلى السعودية.. ومن خلف الستار تقف الإدارة الأمريكية.. وفى قبضتها كل خيوط وتفاصيل السيناريو للسيطرة على اليمن.. وتقف روسيا مع إيران.والشعب اليمنى محاصر بكل الأعداء.

ومن يقرأ أمهات الكتب العربية سيعرف حقيقة أصل اليمنيين بصفتهم أصل العرب لأنهم من قحطان، بينما قريش تابع (عدنان) وأنّ العدنانيين (مُـستعربون) أى ليسوا (عربا أصلاء) وإذا كان القارىء لايمتلك أمهات الكتب العربية، يُـمكنه الرجوع لكتاب(فى الشعرالجاهلى) لعميد الثقافة المصرية (طه حسين) أو كتاب (فجرالإسلام) للأستاذ أحمد أمين.
-----------------

بقلم: طلعت رضوان

(من العدد الأسبوعي للمشهد)

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟